
حكايات الزيارات.. الطريق إلى طرة (5)

خديجة جعفر
30 مايو 2017
قليلٌ من يُعتقل قصدًا، وكثيرٌ جدًّا من المعتقلين كان مصيرهم السجن من طريق الاشتباه والصدفة والخطأ والعشوائية. هكذا أخبرتني الكثير من قصص زائرات سجن طرة.
تحكي شابّة متزوجّة حديثًا أنّ زوجها أُلقيَ القبض عليه حين كان في "ميكروباص" عائدًا إل المنزل في منطقة حلوان. تحكي الزوجة أنّ زوجها كان يتابع "فيس بوك" على هاتفه في الميكروباص، ولم يكن يعلم أنّ الراكب بجانبه هو أمين شرطة أو مخبر. ألقى هذا الأخير القبض على الشابّ فور نزوله من الميكروباص، وكان مصيره سجن طرة.
أوّل الطرق التي من الممكن أن تؤدّي إلى السجن هو الاشتباه العام. فحين داهمت حملة أمنية قوية منطقة حلوان في صيف 2014 بعد أن أعلن مجموعة من الشباب عن أنفسهم من خلال ما أسموه "كتائب حلوان"، اتسعت دائرة الاشتباه لتشمل تقريبًا كل رجل شابّ اتفق مروره في الشارع أثناء حملة المداهمة الأمنية.
ثاني الطرق المؤدية إلى السجن والتي تدخل ضمن الاشتباه العام كذلك، تأتي عبر فحص هاتف أحد المقبوض عليهم، ومن ثمّ تعقّب معظم من اتّصل به المقبوض عليه. في زيارتي الأولى لسجن طرة، قابلت امرأة كبيرةً في السنّ، تسير بمساعدة عكّاز، وتحمل في يدها كيسًا صغيرًا. بعد أن ساعدتها في عبور شارع الأوتوستراد الذي لا يهدأ تقريبًا، أخبرتني أنّ هذا الكيس الصغير به قطعة من الملابس الداخلية، رفض مسؤولو سجن العقرب شديد الحراسة إدخاله لابنها في الزيارة التي لا تتعدّى خمس دقائق من وراء حجاب. أخبرتني أنّ ابنها يُدعى "خالد الصغير" وأنّه ألقي القبض عليه بهذه الطريقة: عن طريق هاتف لأحد زملائه الذي وُجِدَ عليه اسم ابنها. كان هذا في يوم 19 ديسمبر 2015. عرفت فيما بعد أنّ خالد متّهم في قضية 174 عسكرية التي حُكم عليه فيها بالمؤبّد في 29 مايو من العام الماضي.
عمر محمد علي، الذي لا تملّ زوجته إسراء الطويل من الدفاع عنه والتذكير بقضيته، بل وعدّ عدد الأيام التي قضاها في السجن على "فيس بوك" حكم عليه في هذه القضية كذلك بالسجن المؤبد.
عمر محمد علي قُبِض عليه من طريق يمكن أن نسميه "على سبيل الاحتياط" لم يكن القبض على عمر بطريق الخطأ أو الاشتباه العام، ولكن لأنّه كان في عشاء في الخارج برفقة شابّ آخر كان تحت المراقبة الأمنية، وهو لا يعلم. الآن يقضي عمر حكمًا بالمؤبد لأنّه قبض عليه على سبيل الاحتياط مع زميله الآخر.
"المصيدة" هي طريق أخرى للسجن، و"المصيدة" اسم أضحينا نطلقه على المطار، الذي قد يوقف فيه أحد المسافرين أو العائدين للتفتيش، وبعد تحقيق قصير، قد يتطوّر الأمر إلى إلقاء قبض، وترحيل إلى النيابة، ثمّ السجن مباشرة. هذا ما حدث مع الصحفي إسماعيل الاسكندراني، الذي حُقّق معه بشأن أسفاره أوّلاً حين كان عائدًا من الخارج ثمّ تطور التحقيق إلى إلقاء قبض وترحيل للنيابة التي حبسته احتياطيًّا من 29 نوفمبر2015 وحتّى هذه اللحظة. وهذا ما حدث كذلك مع الصحفي محمود مصطفى سعد، الذي ألقي القبض عليه أثناء سفره للخارج في 21 أكتوبر 2015 وحتى هذه اللحظة كذلك.
بجانب هذه الطرق السابقة التي تؤدّي إلى السجن، فهناك الطرق المعروفة مثل أن يبلّغ عنك أحد المتعاونين مع الأجهزة الأمنية أو المتطوعة بالتبليغ، أو أن يُقبَض عليك في مظاهرة مثلاً. كثير من قصص الزائرات تحكي هذه الطرق المعتادة.
في النهاية، فكلّ الطرق تؤدّي إلى مصير واحد، كل الطرق تؤدّي إلى طرة.